سيادة العميد
توسط ( سيادة العميد ) نصف الدائرة المكونة حوله من ( رتبٍ شتى ) تتدرج فيما بينها ابتداءاً من الصول .. مروراً بالملازم أول ... انتهاءاً بالعقيد .... ملأت ( مقعدة ) سيادته كل جوانب الكرسي الوثير .. تَعانَق ظهره مع ظهر الكرسي , و اختفى وجهه خلف نظارة شمسية كبيرة .. بينما شغلت ( مقعدات ) الباقين جزءاً من كراسيهم الخشبية البسيطة, و شغل الفراغ الحيز المتبقي, و ابتعدت ظهورهم بقدرٍ كافٍ عن ظهور كراسيهم ! . في الساحة المترامية أمام البلكونة الأرضية لمبيت ( سيادته ) , كانت هناك مباراة كرة قدم , تجمع بين فريقين , فريقُ مكون من فردين فقط ....و هما إبنىّ ( سيادة العميد ) .. أكبرهما لم يتعد السابعه من العمر..... و الفريق الآخر مكون من فرد واحد فقط ... ( بسطاوى )... عسكرى المراسلة الذى قام بدور حارس للمرمي , تستقبل شباكه الأهداف تباعاً من أبناء سيادته , متظاهراً بمحاولة صدها , رامياً نفسه دائماً فى عكس إتجاه الكرة .. أو فاتحاً لها ممراً آمناً جداً من بين أقدامه !... ممنياً نفسه بأجازة طويلة نوعاً ما , إذا ما حافظ على ( عدم ) نظافة شباكه !!!! مع كل هدف يهز الشباك , تتصاعد آهات الإعجاب من النصف دائرة المتابعين بكل شغف ! الصول جمال: ماشاء الله ماشاء الله سعادتك... ابن حضرتك الكبيرسعادتك , و الله العظيم تلاتة بالله العظيم سعادتك .. ألله ف سماه , نسخة من ماراضونا !!!.. سبحان الله !!!... سعادتك !! الملازم على : سرقتها من على لسانى يا جمال .. ابن سعادتك فلتة يافندم النقيب شكرى : بصراحة أنا ما شفتش حرفنة زى دي قبل كده !!! .. شفت شاط الكورة ازاى يا على ؟ الملازم على : شفت يا حضرة النقيب شكرى .. ( سكرو ) بوش قدمه الخارجي .. حريف حريف يعنى الرائد فتحى : معاكم حق .. الولاد دول أمل مصر اللى جاي العقيد جرجس : و العدرا أنا كنت قلت مصر مش حتجيب حد بعد الخطيب !! لكن صدقونى ... الولاد دول حيعدوا الخطيب بكتيييير ... صدقونى !! ... إرتسمت إبتسامة فخر كبيرة على وجه ( سيادة العميد ) ... انكمش أكثر فى كرسيه الوثير قبل أن يضع رجلاً فوق رجل .. أخرج سيجارة و قبل أن تلمس شفتاه , طارت ( المقعدات ) عن كراسيها بسرعة جنونية باتجاه سعادته, ضاقت على إثرها النصف دائرة إلى أن أصبحت على مسافة سنتيمترات من فم سعادته , و كلٌ قد أشعل ولاعته ,متأملاً أن ينال الشرف الكريم بإشعال سيجارة سياده العميد . ... أشعل سيجارته من أقرب ولاعة له, و كانت للعقيد جرجس , ثم عادت ( مقعداتهم ) مرة أخرى بتكاسلٍ إلي كراسيهم المنتظرة , و قد ارتسمت على محيا كل منهم خيبة أمل , فيما عدا العقيد جرجس الذى انفرجت شفتاه عن ابتسامة نصر و رضا . سحب سيادته نفساً عميقاً من سيجارته , ثم نفث دخانه فى وجوههم دون أدنى إكتراث .. ثم قال : : أومال لو شفتوهم و هم بيلعبوا براسهم , حتقولوا ايه !!!! الصول جمال : من غير ما تقول يا فندم .. ألله فى سماه سعادتك من غير ما تقول باين عليهم سعادتك ! صاح ( سيادته ) فى بسطاوى بصوت أقرب إلى الرعد : انت يا عسكرى يا بعكووووك ... خليهم يشوطوا عليك براسهم ! أكمل ( بسطاوى ) مسرحيته بنفس الكفاءة العالية .. حيث راح يقذف لهم الكرة على رأسهم , و عندما تعود إليه , يكمل ما كان قد بدأه فى اللعب الأرضى من الإرتماء عكس الإتجاه , ثم فتح ممراً آمنا آخراً , و لكن هذه المرة .... فوق رأسه !! الصول جمال: لا لا لا ... مش ممكن سعادتك .. طيب و الله العظيم تلاتة بالله العظيم سعادتك .. ألله ف سماه , على أبو دريشة نفسه ما يعرف يلعبها براسه كده !!!.... سعادتك الملازم على : ياراجل على أبو جريشة مين !! .. قول رود خوليت بتاع هولندا ! النقيب شكرى: خدت بالك يا علي من الحركة دى !! شوف ودَّى الواد بسطاوى فى زاوية , و حطهاله فى الزاوية التانية ازاى !! الملازم على : الحركة دى آخر واحد عملها ديستيفانو .. بعد كده اختفت !! الرائد فتحى : ماشاء الله ... شيء خيالي ! العقيد جرجس : صدقونى الحركة دى المفروض يدرسوها في النادى الأهلى نفسه !! .... صدقونى ! و بينما هم منهمكون فى متابعة المباراة المستعرة ( فى خيالهم ) ..إذ بعسكرى قد برز من باب مكتب سعادته : تمااااام يا فندم ... سعادة اللواء قائد الفرقة عايز حضرتك على التليفون يااااااا فندم !!! إنتصب ( سعادته ) واقفاً .. مرتدياً فى سرعة و خفه ( الكاب ) , مطفئاً سيجارته , و كأن قائد الفرقة يقف أمامه بشحمه و لحمه !!! إختفى قليلاً داخل مكتبه , ثم عاد و الوجوم قد إرتسم على محياه .. ناظراً إلى لا شيء !! .. وقف الجميع و قد إستشعروا أمراً جللاً قد حدث : خير يا فندم .. خير إن شاء الله !! جلس سيادته و قد بدت على وجهه كل أمارات الجد و الحزن , ثم قال بصوت منكسر: : جانى أمر نقل !! تاهت منهم الكلمات , و ظلت حبيسة جوفهم ..تبادلوا النظرات فيما بينهم ...ثمتسربوا جميعاً خلف بعضهم , لم ينبس أي منهم ببنت شفه .. تركوه وحيداً مع نظارته .... و بقايا سيجارته المطفأه .. حتى إذا ما تجاوزوا أرض الملعب , سألهم بسطاوى بعفوية : : فيه إيه سيادتك ؟ أجابه الصول ( جمال ) بإبتسامة صفراء : العميد...... نقلوه ! مسك بسطاوى الكرة بكل قوة بعد أن ارتدت من إبن سعادته , ثم قام بركلها بكل قوة فى الصحراء المترامية خلفه , مخاطباً إبني سيادته : ياللايا له إنت و هو !! ... روح هاتها منك له !! |