((مبيت الدكتور !!!!! ))
إنتظرت خارج مكتب الضابط شكرى , منتظراً ( على ) ممرض العيادة أن يأخذنى إلى مكان إقامتي .. فأنا طبيب الكتيبة التى لم يأتها طبيب منذ أكثر من عام و نصف ( هكذا أبلغنى عسكرى المراسلة الجالس جنب الباب ) ...... باب المكتب كان مؤلفاً من بعض الضلفات الخشبية الغير متلاصقة تماماً مع بعضها ....بل كانت هناك فوارق بينها تكفى لمرور قطة من الحجم الصغير , جعلتنى أسمع ما دار بينه و بين ( علي ) بكل وضوح
أودِّيه مبيت الظباط يا فندم ؟ : ظباط إيه يا حمار إنت !! إنت مش شايفه عسكرى قدامك ؟؟
: أيوه يا فندم , بس ده دكتور ؟؟ بصوت جهورى ) : عسكرى و لا مش عسكرى ؟! : عسكرى يا فندم , بس ده دكتور !!
: إنت ياض حمار و لّا إنت اتولدت كده !! مبيت الظباط للظباط يا بعكوك , و مبيت العساكر للعساكر يا روح أمك !!! .. يالّا خد الدكتور يبات معاكم فى المبيت بتاعكم !! : و الله فاهم يا حظابط شكرى , بس برضه ده الدكتور بتاعنا , ما يصحش يعنى يبيت معانا إحنا التمانية على سريرين ؟
: ماشي يا حنين .. خليه ينام فى العيادة على سرير الكشف ! خرج علي و هو لا يدرى أنى سمعت كل حديثه مع الضابط شكرى !!
: إتفضل معايا يا دكتور
: على فين يا على ؟
: حنروح على المبيت بتاعنا
: و المبيت بتاعى ؟ مش حنروحه ؟ : حنروحه طبعاً ,المبيت بتاع حضرتك حيكون فى العيادة : طيب ما نروح على العيادة على طول ؟
: محتاجة بس تتجهز و تتنضف شوية يا دكتور .. إحنا آخر دكتور جالنا هنا كان من سنة و نص , و من يوميها و العيادة مقفولة !!
...... وصلنا إلى مكان مبيت ( على ) و رفاقه السبعه ! .... المبيت كان غرفة من بين عدة غرف متجاورة فى أقصى مكان فى الكتيبة ....., يبتلع حدود النظر خلفها صحراء ليست لها نهاية !!
ارتفاع الغرفة يقارب المترين ......جدرانها من حجارة مختلفة الأحجام و البروزات .... الباب أقصر من هامتك قليلاً , يجبرك على الإنحناء عند ولوجك منه .. الظلمه جعلت الرؤية منعدمة داخل الغرفه , إستغرقت مني بعض الوقت حتى أتبين أشباح ما تحتويه .. اتساع الغرفة لا يتعدى الثلاثة أمتار فى مترين .. سريران يشغلان ما يقارب مساحة الغرفة إلا حوالى نصف متر يفصل بينهما .. السقف لم يكن إلا مجموعه من البطاطين السوداء الممزقة و المتدلاه أوصالها ... حوائط الغرفة إختفت تقريباً خلف ملابس السكان الثمانية المعلقة بعشوائية جداً .... فى حين راح حبل غسيل يقتحم الغرفة معلق عليه بعض الفوط و الشرابات , و بعض الملابس الداخلية !! .. رويداً رويداً بدأت عيني تتعود على الظلمة , حيث كان هناك على الأقل سته من الثمانية يغطون فى نوم عميق.... , ينامون ( خلف خلاف ) كسردين محشور فى علبته,.... فى حين انتعلت أرجل السرير صفائح مملوءة بالماء !!!
.. لم أجد مكاناً أجلس عليه , و هو ما انتبه له ( على ) , إذ صاح فيمن يشغل جانب السرير الخارجى
: وله يا عبد الله .. إصحى ياله .. الدكتور أحمد الدكتور الجديد بتاعنا وصل
....معلش يا دكتور , أصله كان نباطشي امبارح بالليل : خلاص يا علي , سيبه نايم .. خلينا نروح العيادة .. قصدى المبيت اللى حأبيت فيه
: حنروح يا دكتور .. أكيد حنروح بس نصحيه , ده الممرض التانى اللى معايا في العيادة , وبقالهم سنة مشغلينا خدمة .. عايزين نرتاح بقى .. إحنا ماصدقنا حضرتك وصلت .. إصحى ياض يا عبد الله
.. استيقظ عبد الله و انتصب واقفاً بعد أن فرك عينيه
: يا أهلاً يا أهلاً يا دكتور .. حمداً لله على السلامه .. لا مؤاخذه , اتفضل استريح يا دكتور
.. وقف عبد الله ليفسح لى سنتيمترات على جانب السرير حتى أستطع الجلوس
: تشرب شاي يا دكتور ؟
:يارييييييييييييت يا على .. ده أنا حاسس إنى بقالي سنة ما شربتش شاي
: من عينيه يا دكتورنا
....... سألت عبد الله عن الصفائح التى تحيط بأرجل السرير , و لماذا هى مملوءة بالماء ؟
: ههههه دي مش ميه يا دكتور .. ده بنزين
: بنزين !!! ليه ؟؟ عشان ايه؟؟
:عشان العقارب . لو فكرت تطلع على السرير , تقع و تموت فى البنزين !!!
: عقارب !!! .. هو فيه هنا عقارب !!
: ههههههههه العقارب هنا زي الدبان .. ده غير التعابين و الفيران و الذى منه !!
: الله يكون فى عونكم .. انتوا ازاى عايشين يابنى هنا بالطريقة دى ؟
: كل المبيتات هنا يادكتور كده ..ده حتى مبيتنا ده أحسن و أنضف واحد فيهم .. خلاص اتعودنا
: حقيقي الله يكون فى عونكم .. أنا لو مكانكم , و الله ما أقدر أعيش فيها يوم واحد على بعضه !!
..... نظر ( على ) إلى ( عبد الله ) , و إنفجرا ضاحكان , دون أن أعرف السبب !!
: بتضحكوا علي إيه ؟
: لا يا دكتور .. ما تاخدش فى بالك
: طيب مش حنروح بقى نشوف العيادة ؟ .. قصدى المبيت بتاعى ؟
: أكيد يا دكتور .. حنروح طبعاً بس تشرب الشاي الأول
: معلش يا على .. أصل أنا مستعجل أشوف المبيت بتاعى .. أنا بقالى أسبوع فى الترحيلات ما نمتش ساعتين تلاته على بعضهم .. عايز أناااااام و أرتاااااااااااااااح !!
: طيب بس إشرب الشاي
: معلش يا على .. و الله مش قادر أستني .. عايز أشوف المبيت بتاعى
: طيب خلاص .. تعالى نشوفه و نرجع تكمل الشاي
: أكمل الشاى !!! حيكون تلج و برد !!!
: لا يا دكتور .. ماهو المبيت مش بعيد أوى كده
: ليه ؟ هو بيننا و بينه كام بالظبط ؟
: ههههههههههه , بيننا و بينه الحيطة دى يا دكتور ههههههههههههه !!!!
إنتقلنا إلى المبيت المجاور ... العيادة .. سكن طبيب الكتيبة .. لون الباب ينبيء أنه لم يقربه أحد منذ وقت طويل , لم يختلف كثيراً عن لون الأرض التى نمشي عليها , حيث طمست الرمال معالمه تماما !!
دس ( علي ) فيه المفتاح , و كأنه طعنه بسكين حاد , فعندما أداره , ثم فتحه رويداً رويداً , أصدر أنيناً مزعجاً طويلاً و كأنه يلعن من نغص عليه غفوته الطويلة الأيام و الشهور !!
السواد يغلف كل شيء .. فتح ( على ) الباب أكثر قليلاً ليسمح لضوء النهار أن يمحو بعضاً من هذه العتمة .. إزداد صراخ الباب , و إمتزجت مع أناته أناتٌ أخرى رفيعة حادة الصوت , ممتزجة مع أصوات جلبة هنا و هناك , إرتفع معها صوت ( علي ) : وله يااا عبدالله ... تعالي بسرعه ياله و هات معاك مقشة !!
: مقشة !! خير يا ( على ) !! .. هو فيه ايه ؟
: لا يا دكتور .. مافيش حاجة .. دول شوية فيران بس !!
: فيران !!! يا نهار إسود !!
: ما تخافشي يا دكتور .. حنشطب عليها كلها دلوقت
.. إقتحم ( على) ظلمة الغرفة , حيث فتح النافذة الصغيرة فى آخر المبيت .. , فإنسكب شعاع من الشمس داخلها أحال لون سوادها إلى لون رمادى جراء الغبار الذى إمتلأت به جنباتها !!
جاء عبد الله مسرعاً و بيده ( المقشة ) , و لحق ب( على ) في الداخل , بينما وقفت أنا خارجها منتظراً إنتهاءهما من معركة الفئران !!
.... إختلطت الأصوات بعضها ببعض .. صوت ( على ) , و صوت ( عبد الله ) , و سرسعة الفئران , و خبطات المقشة على الأرض و الجدران .. بعضاً من الفئران التى وجدت لها ممراً آمناً من بين براثن المقشة , هرولت أمامي مندفعة من باب المبيت , خذلتنى قدماي فهرولت بلا إتجاه , فى حين خرجت مني صرخة فزع رغماً عنى , إرتفعت على إثرها قهقهات على و عبد الله تهكماً على الدكتور اللى بيخاف من الفيران !!!!
دقائق مرت , قبل أن يخرج على و عبد الله و قد حملا مقشتيهما فوق كتفيهما ( بالضبط كما علمونا حمل السلاح ) , ...
: خلاص يا دكتور ... الدار أمان ... مافيش و لا فار جوه ... روح إنت كمل الشاي عندنا فى المبيت لغاية لما ننضف لك السكن إحنا
: بس ياله إنت و هو .. إنتوا فاكرينى ( فافى ) و لا إيه !!!! رجلى على رجلكم ننضفه مع بعض !!
تسلحنا بجردل من الماء و مقشات و منفضده و باقى أدوات النظافة , و ما هى إلا ساعتين حتى إنقلب كيان هذا الكهف تماماً .. الآن هناك معالم .. ( شيزلونج) يصلح أن يكون سرير نومى ... منضده صغيرة , تم إستعاضة رجلها المكسورة بقوالب من الطوب فوق بعضها .. عده بطاطين سوداء ( إستعارها على من غرفة المهمات ) إتخذت مكانها فوق الشيز لونج و لا أحسن مرتبة من ( سليب هاي ) !!! .. لم يكن هناك كرسي , لكن لا بأس , فقد قام الشيزلونج بمهمته الثلاثية .. كرسي , و سرير للمريض , ثم سريراً للطبيب ليلاً ... بلغ بي التعب منتهاه فلم أعد أقوى على التحمل حيث لم أنم منذ أكثر من أسبوع إلا سويعات قليلة !
إستأذنت من ( على ) و ( عبد الله ) فى رغبتي فى إراحة هذا الجسد المنهك تماماً .. أسلمته إلى أحضان سريري الملكى .. و رحت فى سباتٍ عميق smile emoticon
.. لم أدرِ كم من الوقت مر و أنا على ( موتتى الصغرى ) تلك !! ... لكن عندما جاءت اللحظه الفارقه بين النوم و اليقظه .. بين إنقشاع ظلمه الليل و بروز ضوء النهار .. شعرت بشىءٍ ما ( طابق على صدري ) !!
أحسسته جزءاً من بقايا كابوس داهمنى .. تداخلت أحداثه مع هذا الثقل القابع على صدرى فلم أدرِ أهو جزءاً من حلمي الثقيل أم ماذا ؟؟؟ .. شيئاً فشيئا , بدأت أفيق من حلمى الكئيب لأشعر بالواقع ..لكن .. مازال هذا الشىء جاثم على صدرى .. لقد انتهى الحلم .. لكن ما على صدري لم ينتهِ .. إستفقت أكثر ... مازال جاثياً أشعر به ... فتحت عينيَ رويداً رويدا ,.. حتى إنطلقت صرخة من جوفى وصل صداها و مداها إلى حدود صحرائنا الغربية !!
.... فما كان جاثياً على صدري لم يكن إلا ( فأراً ) بحجم القطه !!!!!!!!!!!!
إنتظرت خارج مكتب الضابط شكرى , منتظراً ( على ) ممرض العيادة أن يأخذنى إلى مكان إقامتي .. فأنا طبيب الكتيبة التى لم يأتها طبيب منذ أكثر من عام و نصف ( هكذا أبلغنى عسكرى المراسلة الجالس جنب الباب ) ...... باب المكتب كان مؤلفاً من بعض الضلفات الخشبية الغير متلاصقة تماماً مع بعضها ....بل كانت هناك فوارق بينها تكفى لمرور قطة من الحجم الصغير , جعلتنى أسمع ما دار بينه و بين ( علي ) بكل وضوح
أودِّيه مبيت الظباط يا فندم ؟ : ظباط إيه يا حمار إنت !! إنت مش شايفه عسكرى قدامك ؟؟
: أيوه يا فندم , بس ده دكتور ؟؟ بصوت جهورى ) : عسكرى و لا مش عسكرى ؟! : عسكرى يا فندم , بس ده دكتور !!
: إنت ياض حمار و لّا إنت اتولدت كده !! مبيت الظباط للظباط يا بعكوك , و مبيت العساكر للعساكر يا روح أمك !!! .. يالّا خد الدكتور يبات معاكم فى المبيت بتاعكم !! : و الله فاهم يا حظابط شكرى , بس برضه ده الدكتور بتاعنا , ما يصحش يعنى يبيت معانا إحنا التمانية على سريرين ؟
: ماشي يا حنين .. خليه ينام فى العيادة على سرير الكشف ! خرج علي و هو لا يدرى أنى سمعت كل حديثه مع الضابط شكرى !!
: إتفضل معايا يا دكتور
: على فين يا على ؟
: حنروح على المبيت بتاعنا
: و المبيت بتاعى ؟ مش حنروحه ؟ : حنروحه طبعاً ,المبيت بتاع حضرتك حيكون فى العيادة : طيب ما نروح على العيادة على طول ؟
: محتاجة بس تتجهز و تتنضف شوية يا دكتور .. إحنا آخر دكتور جالنا هنا كان من سنة و نص , و من يوميها و العيادة مقفولة !!
...... وصلنا إلى مكان مبيت ( على ) و رفاقه السبعه ! .... المبيت كان غرفة من بين عدة غرف متجاورة فى أقصى مكان فى الكتيبة ....., يبتلع حدود النظر خلفها صحراء ليست لها نهاية !!
ارتفاع الغرفة يقارب المترين ......جدرانها من حجارة مختلفة الأحجام و البروزات .... الباب أقصر من هامتك قليلاً , يجبرك على الإنحناء عند ولوجك منه .. الظلمه جعلت الرؤية منعدمة داخل الغرفه , إستغرقت مني بعض الوقت حتى أتبين أشباح ما تحتويه .. اتساع الغرفة لا يتعدى الثلاثة أمتار فى مترين .. سريران يشغلان ما يقارب مساحة الغرفة إلا حوالى نصف متر يفصل بينهما .. السقف لم يكن إلا مجموعه من البطاطين السوداء الممزقة و المتدلاه أوصالها ... حوائط الغرفة إختفت تقريباً خلف ملابس السكان الثمانية المعلقة بعشوائية جداً .... فى حين راح حبل غسيل يقتحم الغرفة معلق عليه بعض الفوط و الشرابات , و بعض الملابس الداخلية !! .. رويداً رويداً بدأت عيني تتعود على الظلمة , حيث كان هناك على الأقل سته من الثمانية يغطون فى نوم عميق.... , ينامون ( خلف خلاف ) كسردين محشور فى علبته,.... فى حين انتعلت أرجل السرير صفائح مملوءة بالماء !!!
.. لم أجد مكاناً أجلس عليه , و هو ما انتبه له ( على ) , إذ صاح فيمن يشغل جانب السرير الخارجى
: وله يا عبد الله .. إصحى ياله .. الدكتور أحمد الدكتور الجديد بتاعنا وصل
....معلش يا دكتور , أصله كان نباطشي امبارح بالليل : خلاص يا علي , سيبه نايم .. خلينا نروح العيادة .. قصدى المبيت اللى حأبيت فيه
: حنروح يا دكتور .. أكيد حنروح بس نصحيه , ده الممرض التانى اللى معايا في العيادة , وبقالهم سنة مشغلينا خدمة .. عايزين نرتاح بقى .. إحنا ماصدقنا حضرتك وصلت .. إصحى ياض يا عبد الله
.. استيقظ عبد الله و انتصب واقفاً بعد أن فرك عينيه
: يا أهلاً يا أهلاً يا دكتور .. حمداً لله على السلامه .. لا مؤاخذه , اتفضل استريح يا دكتور
.. وقف عبد الله ليفسح لى سنتيمترات على جانب السرير حتى أستطع الجلوس
: تشرب شاي يا دكتور ؟
:يارييييييييييييت يا على .. ده أنا حاسس إنى بقالي سنة ما شربتش شاي
: من عينيه يا دكتورنا
....... سألت عبد الله عن الصفائح التى تحيط بأرجل السرير , و لماذا هى مملوءة بالماء ؟
: ههههه دي مش ميه يا دكتور .. ده بنزين
: بنزين !!! ليه ؟؟ عشان ايه؟؟
:عشان العقارب . لو فكرت تطلع على السرير , تقع و تموت فى البنزين !!!
: عقارب !!! .. هو فيه هنا عقارب !!
: ههههههههه العقارب هنا زي الدبان .. ده غير التعابين و الفيران و الذى منه !!
: الله يكون فى عونكم .. انتوا ازاى عايشين يابنى هنا بالطريقة دى ؟
: كل المبيتات هنا يادكتور كده ..ده حتى مبيتنا ده أحسن و أنضف واحد فيهم .. خلاص اتعودنا
: حقيقي الله يكون فى عونكم .. أنا لو مكانكم , و الله ما أقدر أعيش فيها يوم واحد على بعضه !!
..... نظر ( على ) إلى ( عبد الله ) , و إنفجرا ضاحكان , دون أن أعرف السبب !!
: بتضحكوا علي إيه ؟
: لا يا دكتور .. ما تاخدش فى بالك
: طيب مش حنروح بقى نشوف العيادة ؟ .. قصدى المبيت بتاعى ؟
: أكيد يا دكتور .. حنروح طبعاً بس تشرب الشاي الأول
: معلش يا على .. أصل أنا مستعجل أشوف المبيت بتاعى .. أنا بقالى أسبوع فى الترحيلات ما نمتش ساعتين تلاته على بعضهم .. عايز أناااااام و أرتاااااااااااااااح !!
: طيب بس إشرب الشاي
: معلش يا على .. و الله مش قادر أستني .. عايز أشوف المبيت بتاعى
: طيب خلاص .. تعالى نشوفه و نرجع تكمل الشاي
: أكمل الشاى !!! حيكون تلج و برد !!!
: لا يا دكتور .. ماهو المبيت مش بعيد أوى كده
: ليه ؟ هو بيننا و بينه كام بالظبط ؟
: ههههههههههه , بيننا و بينه الحيطة دى يا دكتور ههههههههههههه !!!!
إنتقلنا إلى المبيت المجاور ... العيادة .. سكن طبيب الكتيبة .. لون الباب ينبيء أنه لم يقربه أحد منذ وقت طويل , لم يختلف كثيراً عن لون الأرض التى نمشي عليها , حيث طمست الرمال معالمه تماما !!
دس ( علي ) فيه المفتاح , و كأنه طعنه بسكين حاد , فعندما أداره , ثم فتحه رويداً رويداً , أصدر أنيناً مزعجاً طويلاً و كأنه يلعن من نغص عليه غفوته الطويلة الأيام و الشهور !!
السواد يغلف كل شيء .. فتح ( على ) الباب أكثر قليلاً ليسمح لضوء النهار أن يمحو بعضاً من هذه العتمة .. إزداد صراخ الباب , و إمتزجت مع أناته أناتٌ أخرى رفيعة حادة الصوت , ممتزجة مع أصوات جلبة هنا و هناك , إرتفع معها صوت ( علي ) : وله يااا عبدالله ... تعالي بسرعه ياله و هات معاك مقشة !!
: مقشة !! خير يا ( على ) !! .. هو فيه ايه ؟
: لا يا دكتور .. مافيش حاجة .. دول شوية فيران بس !!
: فيران !!! يا نهار إسود !!
: ما تخافشي يا دكتور .. حنشطب عليها كلها دلوقت
.. إقتحم ( على) ظلمة الغرفة , حيث فتح النافذة الصغيرة فى آخر المبيت .. , فإنسكب شعاع من الشمس داخلها أحال لون سوادها إلى لون رمادى جراء الغبار الذى إمتلأت به جنباتها !!
جاء عبد الله مسرعاً و بيده ( المقشة ) , و لحق ب( على ) في الداخل , بينما وقفت أنا خارجها منتظراً إنتهاءهما من معركة الفئران !!
.... إختلطت الأصوات بعضها ببعض .. صوت ( على ) , و صوت ( عبد الله ) , و سرسعة الفئران , و خبطات المقشة على الأرض و الجدران .. بعضاً من الفئران التى وجدت لها ممراً آمناً من بين براثن المقشة , هرولت أمامي مندفعة من باب المبيت , خذلتنى قدماي فهرولت بلا إتجاه , فى حين خرجت مني صرخة فزع رغماً عنى , إرتفعت على إثرها قهقهات على و عبد الله تهكماً على الدكتور اللى بيخاف من الفيران !!!!
دقائق مرت , قبل أن يخرج على و عبد الله و قد حملا مقشتيهما فوق كتفيهما ( بالضبط كما علمونا حمل السلاح ) , ...
: خلاص يا دكتور ... الدار أمان ... مافيش و لا فار جوه ... روح إنت كمل الشاي عندنا فى المبيت لغاية لما ننضف لك السكن إحنا
: بس ياله إنت و هو .. إنتوا فاكرينى ( فافى ) و لا إيه !!!! رجلى على رجلكم ننضفه مع بعض !!
تسلحنا بجردل من الماء و مقشات و منفضده و باقى أدوات النظافة , و ما هى إلا ساعتين حتى إنقلب كيان هذا الكهف تماماً .. الآن هناك معالم .. ( شيزلونج) يصلح أن يكون سرير نومى ... منضده صغيرة , تم إستعاضة رجلها المكسورة بقوالب من الطوب فوق بعضها .. عده بطاطين سوداء ( إستعارها على من غرفة المهمات ) إتخذت مكانها فوق الشيز لونج و لا أحسن مرتبة من ( سليب هاي ) !!! .. لم يكن هناك كرسي , لكن لا بأس , فقد قام الشيزلونج بمهمته الثلاثية .. كرسي , و سرير للمريض , ثم سريراً للطبيب ليلاً ... بلغ بي التعب منتهاه فلم أعد أقوى على التحمل حيث لم أنم منذ أكثر من أسبوع إلا سويعات قليلة !
إستأذنت من ( على ) و ( عبد الله ) فى رغبتي فى إراحة هذا الجسد المنهك تماماً .. أسلمته إلى أحضان سريري الملكى .. و رحت فى سباتٍ عميق smile emoticon
.. لم أدرِ كم من الوقت مر و أنا على ( موتتى الصغرى ) تلك !! ... لكن عندما جاءت اللحظه الفارقه بين النوم و اليقظه .. بين إنقشاع ظلمه الليل و بروز ضوء النهار .. شعرت بشىءٍ ما ( طابق على صدري ) !!
أحسسته جزءاً من بقايا كابوس داهمنى .. تداخلت أحداثه مع هذا الثقل القابع على صدرى فلم أدرِ أهو جزءاً من حلمي الثقيل أم ماذا ؟؟؟ .. شيئاً فشيئا , بدأت أفيق من حلمى الكئيب لأشعر بالواقع ..لكن .. مازال هذا الشىء جاثم على صدرى .. لقد انتهى الحلم .. لكن ما على صدري لم ينتهِ .. إستفقت أكثر ... مازال جاثياً أشعر به ... فتحت عينيَ رويداً رويدا ,.. حتى إنطلقت صرخة من جوفى وصل صداها و مداها إلى حدود صحرائنا الغربية !!
.... فما كان جاثياً على صدري لم يكن إلا ( فأراً ) بحجم القطه !!!!!!!!!!!!