نشيد الجيش
راح الأوتوبيس يتهادى , كشيخٍ فوق التسعين لا يكاد يرى أمامه , و نحن محشورون داخله , نتمايل مع ترنحاته , و نئن مع أناته !!
..كثيرٌ من نقاطٍ للشرطة العسكرية منتشرة على طول الطريق من ( سيدى برانى ) حتى الإسكندرية , لكنها نقطة شرطة واحده التى كنا نحسب لها ألف حساب ... نقطه شرطة الكيلو 21 العسكرية , حيث الصفاقة كلها , و الغتاتة كلها , و قلة الأدب كلها من أفراد الشرطة العسكريه , الذين ينتظرون أياً من أوتوبيسات العساكر , لكى يخرجوا عليهم كل مركبات نقصهم , و يقطعوا بعضاً من ملل أوقاتهم , بالتريقه على عباد الله المطحونين فى الصحراء و الذين يعرفون ضمنياً بإسم ( العساكر ) !!.... و المشهورين بين الضباط بالبعاكيك أوالنمرة أو البِلْد ( بكسر الباء و تسكين اللام ) !
بعد ساعات من السفر المتعب المترنح , وصلنا إلى ما أطار النوم من أعيننا طوال الطريق ... نقطه شرطة الكيلو 21 !!! حيث توقف الأتوبيس .. ثم صعد ثلاثه أفراد من عساكر الشرطه العسكريه على متنه , و صاح أحدهم :
ياللا يا بعكوك إنت و هو إنزلوا تحت ...
ترجلنا و وقفنا جميعاً صفاً واحداً بجانب الأوتوبيس فى ظهر هذا اليوم الحارق من شهر يوليو , فيما إنصرف افراد الشرطه العسكريه إلى داخل مبيتهم , تاركين البعاكيك الغلابه يتصببون عرقاً من تلك الشمس الحارقه التى انعدمت من قلبها الرحمة هى الأخرى !... وقت طويل جداً قد مر قبل أن يظهر احدهم , جاعراً بصوت حمورى :
طلع الكارنيييييييه و تصريح السفر يا بعكووووووووك إنت و هوااااااااا !!!
فعلنا فى سرعه و خفة متعودين عليها , و كنت أنا أول الواقفين بالصف ... نظر إلى الكارنيه و تصريح السفر , ثم قلبهما بين أصابعه و نظر إلى بنظرة حموريه أيضاً جاعراً :
: سمّع لى نشيد الجيش !!!!
لم أنظر إليه و جاهدت نفسي المكلومة مستحضراً وجه أمى الذى وحشنى كثيراً , و كبحت جماح نفسي المتعطشة لكسر رقبه هذا الكائن الذى أمامي , فقلت فى تثاقل :
رسمنا على القلب وجه الوطن ... نخيلاً و نيلاً و شعباً أصيلا
و صناكِ يا مصر طول الزمن ... ليبقى شبابك جيلاً فجيلا
على كل أرضٍ تركنا علامه ... قلاعاً من النور تحمى الكرامة
أوقفنى بإشارة حمورية , ثم أعطانى تصريح الغياب و احتفظ بالكارنيه , ثم إتجه إلى من بعدى , و أعاد عليه ما قام به معى ! .... لكن هذا البعكوك المسكين لم يكن يحفظ جيداً نشيد الجيش , فما كان من الحمورى إلا أن صرخ فى وجهه :
مش حاااااافظ نشيد الجييييييييييش يا رووووووووح أمك !!! ......و ديني لأعرّفك و أربيك من جديد !! .. إطلع لى برة الصف هنا !!
... خرج البعكوك المسكين خارج الصف , فيما أكمل الحمورى جولته على باقى الصف , مكرراً فعلته مع كل بعكوك , فارقاً الصف الواحد إلى فريقين , فريق الحفظة لنشيد الجيش .... و فريق المغضوب عليهم ممن لم يحفظوه .. و بعد أن انتهى من مهمته غادر إلى مبيته مرةً أخرى , مختفياً قرابه الساعه , و نحن الحفظة و غير الحفظة لا ندرى ماذا يُدار لنا بالداخل !!
... مرةً أخرى ظهر و معه إثنان آخران .. جعر مرةً أخرى :
اللى حفظوا ييجوا هنااااا , و اللى مش حافظييييين حيرجعوا على وحداتهم تااااااانى , و معاهم أمر حبس لمده أسبوووووع !!!
.... تباينت المشاعر , مابين فرحه و نشوة انتصار ترفرف فوق الحفظة , و خيبة أمل و حزن و كآبه , شملت فريق الكفرة !!
انصرف شياطين الشرطة العسكرية مرة أخرى و اختفوا كما إختفوا سابقاً لنفس المدة فى مبيتهم ,و كارنيهاتنا – نحن المؤمنون الحفظة - بحوزتهم , ثم عادوا مرة أخرى و لكن إلى الطريق الآخر المعاكس , حيث أوقفوا أحد أوتوبيسات العساكر العائده إلى ثكناتها و حشروا بها فريق المغضوب عليهم , فيما جعر فينا كبيرهم :
بص بقى يا بِلْد إنت و هوااااااا , شفتوا بقى احنا رحمناكم ازاااااااى !!!! و حنخليكوا تنزلوا تقضوا أجازاتكم مع أهاليييييييييكم , لكن الأول, عندنا أوضتين هناااااااا فى المبيت عايزين يتبنوا , ياللا ورونا الهمه بقااااااااااااااااا , و أول ما تخلصوا , حتروحوا على طوووووووووول !!!
ما كاد أن ينتهى من جملته , إلا و قد انطلقت كل الشحنات المكتومة داخلى صارخاً فيه و من معه :
: أنا دكتور يا بنى إنت و هو !!!!! أوضة إيه اللى عايزينى أبنيهالكم ؟؟ و الله العظيم على جثتى !!!
تكهرب الجو تماماً , و جذبنى بعكوك من الحفظة الطيبين قائلاً فى همس :
: ماتوديش نفسك فى داهية يا بِلْد , دول ممكن يحطوك فى السجن !!
قلت له :
: يا عم سجن سجن , و هو اللى احنا فيه ده إيه بالظبط !!!!!
إستحضر الحمورى كل حموريته و جعر كما لم يجعر سابقاً صارخاً فى وجهى , متفتفاً رذاذاً اختلط بكلماته الصاخبة :
: دكتوووووور على نفسك يا خويااااااا .. انت هنا عسكرى زيك زي أى بعكووووووووووك فى دول , و أقل كماااااااااان !! ... طيب ايه رأيك انت بالذات بقاااااا اللى حتشيل الزلط كله لوحدك !!!!!
... قالها و انصرف لدقائق قليله , ثم عاد و بصحبته شاويش متضخم جداً .. إقترب منى للدرجة التى شممت رائحة عرقه المعفنة .. قائلاً بصوتٍ أجش :
: إنت ضكطوووور ؟
: أيوة دكتور !!!
: ضكطور إيه ؟
و كأننى قد سبحت داخل أغواره و توقعت كيفية الخلاص من الورطة المنيلة دى , فأجبته بسرعه :
: دكتور مسالك بولية و أمراض ذكورة !
و بالفعل حدث ما توقعته , حيث جاءت على الجرح يابو حميد , إذ إنفرجت اساريره , و اقترب منى أكثر , حتى كتمت أنفاسي لكي لا أشم هذه الرائحة الخانقة .. خاطبنى فى كل تأدبٍ و ذوق :
: معلش يا ضكطور , إحنا آسفين , اللى ما يعرفك يجهلك ..
ثم همس فى أذنى قائلاً : عندى مشكله يا ضكطور لما بأنزل أجازة , و أبقى ممنون أوى لو عالجتهالى !
ثم وجه حديثه إلى الحمورى جاعراً فى وجه أم اللى خلفوه : روح يا عسكرى يا نمرة يا بعكوك يا جزمة يا ابن الجزمة اعمل لنا كوبايتين شاي و هاتهم لنا هناك فى المبيت ... ياللا امشي انجر ياللا !!!
راح الأوتوبيس يتهادى , كشيخٍ فوق التسعين لا يكاد يرى أمامه , و نحن محشورون داخله , نتمايل مع ترنحاته , و نئن مع أناته !!
..كثيرٌ من نقاطٍ للشرطة العسكرية منتشرة على طول الطريق من ( سيدى برانى ) حتى الإسكندرية , لكنها نقطة شرطة واحده التى كنا نحسب لها ألف حساب ... نقطه شرطة الكيلو 21 العسكرية , حيث الصفاقة كلها , و الغتاتة كلها , و قلة الأدب كلها من أفراد الشرطة العسكريه , الذين ينتظرون أياً من أوتوبيسات العساكر , لكى يخرجوا عليهم كل مركبات نقصهم , و يقطعوا بعضاً من ملل أوقاتهم , بالتريقه على عباد الله المطحونين فى الصحراء و الذين يعرفون ضمنياً بإسم ( العساكر ) !!.... و المشهورين بين الضباط بالبعاكيك أوالنمرة أو البِلْد ( بكسر الباء و تسكين اللام ) !
بعد ساعات من السفر المتعب المترنح , وصلنا إلى ما أطار النوم من أعيننا طوال الطريق ... نقطه شرطة الكيلو 21 !!! حيث توقف الأتوبيس .. ثم صعد ثلاثه أفراد من عساكر الشرطه العسكريه على متنه , و صاح أحدهم :
ياللا يا بعكوك إنت و هو إنزلوا تحت ...
ترجلنا و وقفنا جميعاً صفاً واحداً بجانب الأوتوبيس فى ظهر هذا اليوم الحارق من شهر يوليو , فيما إنصرف افراد الشرطه العسكريه إلى داخل مبيتهم , تاركين البعاكيك الغلابه يتصببون عرقاً من تلك الشمس الحارقه التى انعدمت من قلبها الرحمة هى الأخرى !... وقت طويل جداً قد مر قبل أن يظهر احدهم , جاعراً بصوت حمورى :
طلع الكارنيييييييه و تصريح السفر يا بعكووووووووك إنت و هوااااااااا !!!
فعلنا فى سرعه و خفة متعودين عليها , و كنت أنا أول الواقفين بالصف ... نظر إلى الكارنيه و تصريح السفر , ثم قلبهما بين أصابعه و نظر إلى بنظرة حموريه أيضاً جاعراً :
: سمّع لى نشيد الجيش !!!!
لم أنظر إليه و جاهدت نفسي المكلومة مستحضراً وجه أمى الذى وحشنى كثيراً , و كبحت جماح نفسي المتعطشة لكسر رقبه هذا الكائن الذى أمامي , فقلت فى تثاقل :
رسمنا على القلب وجه الوطن ... نخيلاً و نيلاً و شعباً أصيلا
و صناكِ يا مصر طول الزمن ... ليبقى شبابك جيلاً فجيلا
على كل أرضٍ تركنا علامه ... قلاعاً من النور تحمى الكرامة
أوقفنى بإشارة حمورية , ثم أعطانى تصريح الغياب و احتفظ بالكارنيه , ثم إتجه إلى من بعدى , و أعاد عليه ما قام به معى ! .... لكن هذا البعكوك المسكين لم يكن يحفظ جيداً نشيد الجيش , فما كان من الحمورى إلا أن صرخ فى وجهه :
مش حاااااافظ نشيد الجييييييييييش يا رووووووووح أمك !!! ......و ديني لأعرّفك و أربيك من جديد !! .. إطلع لى برة الصف هنا !!
... خرج البعكوك المسكين خارج الصف , فيما أكمل الحمورى جولته على باقى الصف , مكرراً فعلته مع كل بعكوك , فارقاً الصف الواحد إلى فريقين , فريق الحفظة لنشيد الجيش .... و فريق المغضوب عليهم ممن لم يحفظوه .. و بعد أن انتهى من مهمته غادر إلى مبيته مرةً أخرى , مختفياً قرابه الساعه , و نحن الحفظة و غير الحفظة لا ندرى ماذا يُدار لنا بالداخل !!
... مرةً أخرى ظهر و معه إثنان آخران .. جعر مرةً أخرى :
اللى حفظوا ييجوا هنااااا , و اللى مش حافظييييين حيرجعوا على وحداتهم تااااااانى , و معاهم أمر حبس لمده أسبوووووع !!!
.... تباينت المشاعر , مابين فرحه و نشوة انتصار ترفرف فوق الحفظة , و خيبة أمل و حزن و كآبه , شملت فريق الكفرة !!
انصرف شياطين الشرطة العسكرية مرة أخرى و اختفوا كما إختفوا سابقاً لنفس المدة فى مبيتهم ,و كارنيهاتنا – نحن المؤمنون الحفظة - بحوزتهم , ثم عادوا مرة أخرى و لكن إلى الطريق الآخر المعاكس , حيث أوقفوا أحد أوتوبيسات العساكر العائده إلى ثكناتها و حشروا بها فريق المغضوب عليهم , فيما جعر فينا كبيرهم :
بص بقى يا بِلْد إنت و هوااااااا , شفتوا بقى احنا رحمناكم ازاااااااى !!!! و حنخليكوا تنزلوا تقضوا أجازاتكم مع أهاليييييييييكم , لكن الأول, عندنا أوضتين هناااااااا فى المبيت عايزين يتبنوا , ياللا ورونا الهمه بقااااااااااااااااا , و أول ما تخلصوا , حتروحوا على طوووووووووول !!!
ما كاد أن ينتهى من جملته , إلا و قد انطلقت كل الشحنات المكتومة داخلى صارخاً فيه و من معه :
: أنا دكتور يا بنى إنت و هو !!!!! أوضة إيه اللى عايزينى أبنيهالكم ؟؟ و الله العظيم على جثتى !!!
تكهرب الجو تماماً , و جذبنى بعكوك من الحفظة الطيبين قائلاً فى همس :
: ماتوديش نفسك فى داهية يا بِلْد , دول ممكن يحطوك فى السجن !!
قلت له :
: يا عم سجن سجن , و هو اللى احنا فيه ده إيه بالظبط !!!!!
إستحضر الحمورى كل حموريته و جعر كما لم يجعر سابقاً صارخاً فى وجهى , متفتفاً رذاذاً اختلط بكلماته الصاخبة :
: دكتوووووور على نفسك يا خويااااااا .. انت هنا عسكرى زيك زي أى بعكووووووووووك فى دول , و أقل كماااااااااان !! ... طيب ايه رأيك انت بالذات بقاااااا اللى حتشيل الزلط كله لوحدك !!!!!
... قالها و انصرف لدقائق قليله , ثم عاد و بصحبته شاويش متضخم جداً .. إقترب منى للدرجة التى شممت رائحة عرقه المعفنة .. قائلاً بصوتٍ أجش :
: إنت ضكطوووور ؟
: أيوة دكتور !!!
: ضكطور إيه ؟
و كأننى قد سبحت داخل أغواره و توقعت كيفية الخلاص من الورطة المنيلة دى , فأجبته بسرعه :
: دكتور مسالك بولية و أمراض ذكورة !
و بالفعل حدث ما توقعته , حيث جاءت على الجرح يابو حميد , إذ إنفرجت اساريره , و اقترب منى أكثر , حتى كتمت أنفاسي لكي لا أشم هذه الرائحة الخانقة .. خاطبنى فى كل تأدبٍ و ذوق :
: معلش يا ضكطور , إحنا آسفين , اللى ما يعرفك يجهلك ..
ثم همس فى أذنى قائلاً : عندى مشكله يا ضكطور لما بأنزل أجازة , و أبقى ممنون أوى لو عالجتهالى !
ثم وجه حديثه إلى الحمورى جاعراً فى وجه أم اللى خلفوه : روح يا عسكرى يا نمرة يا بعكوك يا جزمة يا ابن الجزمة اعمل لنا كوبايتين شاي و هاتهم لنا هناك فى المبيت ... ياللا امشي انجر ياللا !!!